أخبار الجريمة في وسائل الإعلام


تستقطب أخبار الجرائم التى تنقلها مختلف وسائل الإعلام وعلى رأسها الصحف والمجلات عدداً كبيراً من الجمهور ، ويجد القائمون على بعض تلك الوسائل فيها مادة شيقة جالبة لأكبر عدد من الجمهور ، فهل من المناسب نشر أخبار الجرائم في وسائل الإعلام أم الأفضل أن  تنأى تلك الوسائل عن ذكر أخبارها أو إيراد تفاصيلها ؟.

يرى المؤيدون لنشر أخبار الجرائم في وسائل الإعلام أن واقع المجتمعات البشرية مليء بالخير والشر وأن وسائل الإعلام بنشرها لتلك الجرائم إنما تعكس الواقع الموجود فقط وهي مرآة له ، وأن ذلك من نشر الحقائق التى تحيط بالمجتمع ،وأن ذلك يولد الحيطة والحذر من الإجرام وأن النشر يُمكّن الجمهور من معالجة أسباب الجريمة لأنه يجعلها مثار اهتمام الناس ،وأن فيه الردع لكل من يفكر في ارتكابها ولكل من يخشى الفضيحة لتشهير وسائل الإعلام به ، كما أن نشر أساليب الجريمة يجعل القارئ والمشاهد على علم بتلك الأساليب ، كما يعتقدون  أن الصحافة ربما أعانت رجال الأمن في الكشف عن أساليب المجرمين وذلك عندما يعمل المخبرون الصحفيون تحقيقاتهم الصحفية في الخفاء مع المجرمين ، كما يعطي نشر أخبار القبض على المجرمين وإيقاع العقوبة بهم الطمأنينة لدى الجمهور بقوة السلطة ويقظة رجال الأمن وأن تحقيق العدل وتطبيق القانون قائم في المجتمع ، ويحقق تشفي المجتمع من مرتكبي الجريمة .

وفي المقابل يقول منتقدو نشر أخبار الجريمة في وسائل الإعلام: إن النشر يساهم في زيادة الجرائم وتزيينها للناس ، وأن وسائل الإعلام ولاسيما الصحف بدأت من بداية القرن العشرين  في إعطاء مساحات كبيرة للجرائم ومتابعتها وملاحقة قضاياها وكان ذلك على حساب الموضوعات الجادة والمفيدة ، وأن  الصحف تبالغ في تناول تلك القضايا  بل وربما نصّب الصحفيون أنفسهم حكاماً للفصل فيها ، ويقولون: إن بعض الصحف والأفلام أضحت مدارس لتعليم فن الإجرام وتخريج المجرمين وبخاصة في فئتي الصبية والشباب ،كما أن الإكثار من أخبار الجريمة يولد الشعور بزعزعة الأمن ويُفقد الثقة في المجتمع، ويوحي بأن السلطة غير قادرة على حفظ الأمن ، وربما أفاد نشر تفاصيل إجراءات التحقيق والمتابعة المجرمين في الهروب من العدالة أو في معرفة خطط رجال الأمن وأساليبهم في القبض على المجرمين مما يدفعهم لابتكار وسائل أخرى للتخفي ، كما تطلق تلك الوسائل الأحكام جزافاً على أطراف القضية، وربما ساهمت في تضليل العدالة أوالتأثير على الشهود ، كما أنها تُشهر بالأبرياء الذين لم يتم الحكم عليهم بعد، مما يعود بالضرر على أعمالهم وسمعة أقربائهم ، وربما تدخلت تلك الصحف في خصوصياتهم أو أوسعتهم  بكثير من العبارات النابية والأوصاف القبيحة .

 وبعد كل ذلك  أقول نحن لاننكر واقع الحياة ومافيه من خير وشر، كما أننا نجد أن القرآن الكريم عرض لذكر الجريمة وأخبارها كما في قصة ابني آدم في سورة المائدة الآيات (27-32) ولكن المشكلة تكمن في اعتقادي في أسلوب التناول والعرض ، إننا ننتقد في صحافة الإثارة وبعض وسائل الإعلام المعاصرة أسلوب تناولها لأخبار الجريمة ولهثها خلف أخبار الفضائح وانغماسها  في سرد التفصيلات الدقيقة لطرق تنفيذ الجريمة ، وننتقد أسلوب العرض الذى يُظهر أحياناً المجرمين أبطالاً أو يسبغ عليهم أوصاف البطولة كعبارة (أسد اللصوص) و (قاهر البوليس)، وغالباً ما يـُقدم  الفلم  للمشاهدين المبررات الكافية التى تجعلهم يتعاطفون بكل أحاسيسهم مع المجرمين ، كما نستهجن ذلك الجو المثير الذى تصطنعه الصحافة وبشكل زائد عن الحد في بعض القضايا وذلك التشويه المتعمد أحيانا للقضاء الشرعي ، إن بعض الصحفيين يصيغون تلك الجرائم في صور خيالية بعيدة عن الواقع لإثارة القراء فقط ، كما أن بعض الصور الفوتوغرافية أو التلفازية  المصاحبة لبعض الجرائم من البشاعة بمكان ولاسيما لقلوب االأطفال والنساء ، إننا نعترض على نشر أخبار الجريمة بهذا الأسلوب الرخيص الذى يضر بالمجتمع ولكنه يحقق لفاعليه الربح الوفير والتوزيع الكثير .

إن الحل يتأتى في ظني في إيراد أخبار الجريمة لتتحقق الفوائد العظيمة السابقة ولكن بوجود عدد من الضوابط وبأساليب تضمن دفع آثارها السلبية ، وإننا لنهتدي هنا بأسلوب القرآن في العرض والتناول حيث وضح أثناء معالجاته للجريمة القيم والمثل التى حطمتها الجريمة المرتكبة وبـيّن  العظة والعبرة والحكمة من سياق قصة الجريمة، وصور مظاهر ندم وتوبة مرتكبيها، وصاغها في قالب يظهر بشاعتها وعظيم قبحها  ، كما يحض القرآن على معرفة الناس بإيقاع العذاب الدنيوي فيما عظُم منها كما في قوله تعالى في سورة النور (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ليتحقق الترهيب والزجر ، كما يُذكّر القرآن  دائما بالعقاب الآخروي الذي يُـعد أهم أنواع الترهيب والزجر في المجتمع المسلم دون غيره من المجتمعات، لأنه العنصر الذى يولد الشعور بالمراقبة والمحاسبة الذاتية حتى بعيداً عن السلطة والقانون ، إننا نود أن يتم تناول تلك الأخبار في الحدود المعقولة مساحة وزمناً، بعيداً عن المبالغة والتهويل ، وأن يتم اختيار القضايا الكبرى التى تتحقق في عرضها الفائدة والعبرة للمجتمع ، وألا يتم عرض التفاصيل التى لاداعي لها أو التى تحدث ضرراً ولاتقدم نفعاً كبيان أداة القتل أو طريقته أو نحو  ذلك حيث لانجد شيئاً من ذلك في القصص القرآني ، كما يجب أن تصاغ تلك الأخبار بأساليب حذره لاتمجد فيها الجريمة والمجرم بل ويجب إطلاق عبارات التشويه على المجرمين متى ما ثبتت إدانتهم، وأؤكد على عبارة التشويه وليس السب أو الشتم الشخصي المنهي عنه، وذلك لتشويه صورة الجريمة في أذهان ناشئة المجتمع ولإظهار رأي عام راشد يكره الجريمة ويقبح فعل المجرم ،وأن يكون هدفها بيان الأسباب وطرح العلاج ، وعلى الوسائل الإعلامية عدم التدخل في شؤون القضاء أو شؤون التحقيق والأولى أن تتريث في معالجة القضايا التى لم تحسم بعد ولذلك شرع الإسلام حد القذف حماية للأشخاص ،كذلك عليها عدم ذكر الأسماء صراحة إلا في حالات تحقق العبرة والعظة لعظم الجريمة أو لاشتهار صيت المجرم في المجتمع  ويكون في نشر اسمه مصلحة للسلطة وللمجتمع .

هذا هو العلاج القرآني وهذا هو المنهج فهل تسترشد وسائل الإعلام به ؟ نتمنى ذلك وندعو الله أن يعم الأمن والإيمان ديار المسلمين أجمعين .

 

 



كاتب المقال : upload/1542136886_crimes2222.jpg
تاريخ النشر : 17/02/2013
من موقع : نزاري نت
رابط الموقع : http://nezari.net