أستوقفني منظر لطفل في أحد مراكز التسويق وهو يحاول جاهداً إقناع بل قل إجبار والده بكل مايؤتى الأطفال من وسائل الإجبار كالبكاء وغيره على شراء بعض أنواع الحلوى التى رآها في إعلانات التلفاز وقد باءت كل محاولات والده بإقناعه أن تلك الحلـوى تحتوى على مواد غير صحية أو على الأقل تأجيل الحصول عليها باءت كل تلك المحاولات بالفشل ، وقد ذكرني ذلك بسياسة خبراء الإعلان وبالذات في إعلاناتهم المتصلة بحاجيات الأطفال حيث يعمدون إلى استخدام أساليب الاستمالة والتزيين للأطفال وليس إلى استخدام أساليب الإقناع للآباء التى يتولى الأطفال تدبير أمرها .
ليست هذه الصورة هي الانتقاد الوحيد الذي يوجه إلى الإعلانات بل لقد تعرض الإعلان الذي ازدهر بظهور الصحافة وتطور مع تطور الوسائل الحديثة من إذاعة وتلفاز للكثير من الانتقاد في الأوساط الدينية والاجتماعية والاقتصادية وصلت إلى درجة التساؤل عن مدى أهمية وجوده وجدواه ومن أبرز ما وجه له :
أن الإعلان في المجال الاقتصادي يدفع إلى شيء من عدم التوازن في الإنفاق حيث تصرف الأسرة على المواد الاستهلاكية والكماليات أكثر من إنفاقها على التعليم وضروريات الحياة ، كما أن المبالغة في استخدام الإعلانات تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع وإرهاق جيب المستهلك الذي سيدفع هو في النهاية قيمة جميع الإعلانات، كما يثقل الإعلان الاقتصاد المحلي إذا فُتح المجال للوكالات الخارجية لغزو السوق المحلي مما يساهم في إضعاف الاقتصاد القومي للدول النامية والشركات المحلية التى لاتستطيع الوقوف في وجه قوة إعلانات الشركات العالمية ، كما أن الإعلان قد يشجع الاحتكار حيث تستطيع الشركات ذات الإمكانات المالية الضخمة استخدام الإعلان ومن ثم إقناع أو قُل خداع المستهلكين بجودة سلعهم فلا يستطيع المنافسون الآخرون من تحقيق ذلك إما لعجزهم عن الإعلان أو لاستخدامهم وسائل أقل تأثيراً .
وفي الجانب الديني يخشى العلماء من أن تكون الإعلانات ولاسيما الخارجية معول هدم للقيم والمعتقدات، وأن تكون نوافذ لتسرب القيم الغربية والاتجاهات الدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية ، أو أن تكون أداةً للإعلان عن المحرمات كالخمور وغيرها، أو ربما دفعت المجتمع المسلم إلى مزيد من التنافس على جمع المال والاستمتاع بالملذات أو إلى الترف والإسراف والفخر والمباهاة ،كما ينظر المصلحون بشيء من القلق على سوء استخدام بعض الإعلانات للأطفال والمرأة والغناء .
وفي المجال الاجتماعي يدفع الإعلان كما يقول الكاتب الأمريكي فانس باركارد المستهلكين إلى شراء أشياء لايريدونها فعلاً ولا يحتاجون إليها ، كما يرى بعض المنتقدين أن الإعلان يحد من حرية الفرد في الاختيار ومن ثَم في اتخاذ قرار الشراء ويعدونه تدخلاً في شؤون حياة المستهلك الشخصية ، والنقطة الأكثر أهمية في المجال الاجتماعي أن الإعلان ربما كان من أسباب نشوء المشكلات الأسرية حيث تتطلع الزوجة والأولاد إلى كل جديد من الملابس والأدوات والأثاث التى يعجز رب الأسرة متوسط الدخل من تحقيقها فيظهر رب الأسرة بصورة الرجل البخيل، وربما عاش بعض أفراد الأسرة في حالة إحباط وشعور بالنقص عن حياة الآخرين . ، كما ينقل الإعلان أنماطاً وقيماً سلوكية متعددة ربما تعارضت مع قيم مجتمعنا المسلم وهي تـُعرض بشكل دائم ومستمر حتى ترسخ في المجتمع ، كما صورت بعض الإعلانات بعض الأطعمة والأشربة الثانوية أو الضارة أحياناً على أنها من مستلزمات الحضارة والرقي كالوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية .
وفي المجال الإعلامي المتعلق بصياغة الإعلان وطرق تقديمه يوجه النقد لبعض الإعلانات التى تعمد إلى المبالغة والتهويل أو إلى تقديم معلومات غير صحيحة عن السلعة أو عن خدمات المؤسسة ، كما يلجأ بعض المعلنين إلى استخدام سلاح الدوافع والغرائز من أجل تحقيق مكاسبهم المادية ، يقول أحد المتخصصين : إن التركيز على إثارة الغرائز وتر أساس من الأوتار التى يعزف عليها الإعلان الحديث وبخاصة عندما يخاطب الشباب من الفتيان والفتيات، .. وربما كانت المرأة هي الأداة الأكثر استخداماً في ذلك سواء تعلقت السلعة بها أو لم تتعلق بها .
وعلى مستوى اللغة تساهم تلك الإعلانات التى تقدم بالعامية أو باللهجات المحلية في توسيع دائرتها بين الأطفال مما يُضعف ارتباطهم باللغة العربية .
وإنه بالرغم من كل ذلك النقد للإعلان إلا أننا لايمكن أن نستغني عنه لأن دخل الإعلان هو المورد الأساس لكثير من الوسائل الإعلامية ولأن الإعلان يقدم للجمهور خدمة هو في أمس الحاجة لها وهي معرفة كثير من حاجياتهم الاستهلاكية وخدماتهم الضرورية وهو في ظني يزيد من الخيارات المطروحة أمام المستهلك بتعريفه على كل الأصناف المتوفرة في السوق ومزايا كل منها ، والإعلان أداة اقتصادية هامة للمنتجين والمصنعين ومقدمي الخدمات تربط بينهم وبين الجمهور العريض لوسائل الإعلام ، ونلاحظ أن معظم النقد المقدم يحوم حول طريقة التقديم وأسلوب الصياغة وطريقة الممارسة وليس لذات الإعلان كنشاط اقتصادي يهم المجتمع ، وللحد من تلك الآثار ليس من الحكمة أن نطالب بإلغاء الإعلان وإنما نطالب المعلنين أن يراعوا القيم الدينية ، وأن يقدموا المصلحة الاجتماعية على المصلحة الفردية ، وأن يعلموا أن الإعلان الصادق البعيد عن الخداع والتضليل الذي يركز على إبراز جودة السلعة ومميزاتها ويراعى القواعد الأخلاقية والآداب العامة وعادات المجتمع هو الإعلان الذي يحقق النجاح والتأثير الدائم لا التأثير السريع المؤقت الزائل ، كما أنبه إلى أن عدداً من الدول الغربية والإسلامية وضعت بعض القواعد والأسس التى تحد من الآثار السلبية للإعلان لكن كثيراً من تلك القواعد تضل حبراً على ورق في بعض الدول أمام الطمع في الربح السريع لبعض وكالات الإعلان أو لبعض المعلنين أو المسؤولين عن وسائل الإعلامية التجارية ، وأخيراً نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم في إعلان قادم عفواً في مقال قادم إن شاء الله والسلام عليكم .