عندما يختل أداء الصراف هل تجنح التصرفات ؟ و تفتضح النيات ؟
دخل طالب جامعي إلى الصراف الآلي على سور إحدى الجامعات ليسحب مبلغاً من المال ويطلب مبلغ تسعين ريالا لأن الصراف مزود بخاصية سحب العشرة ريالات ليفاجئ بأن الصراف أعطاه مبلغ أربعة آلاف وخمسمئة ريال .
ثم خلال ساعة من الزمن فقط تزدحم الأرجل على هذا الصراف من رجال ونساء ، وتحصل أكثر من ثمانية وعشرين عملية سحب آلي ؛ ثم تدخل طالبة جامعية لتسحب مبلغاً بسيطاً فيرسل لها الصراف مبلغ خمسة آلاف وأربعمائة ريال تنظر إلى المبلغ بثبات ويحدثها إيمانها قائلا لها : هذا المبلغ ليس لك ، هناك خطأ في الصراف فتتجه إلى إدارة الجامعة لتسلم لهم المبلغ ويتم الاتصال بالبنك ليتدارك الوضع وتنكشف الحقائق فماذا حصل في هذه الساعة ؟
ظهر للبنك أن هناك عجزاً بين العمليات المنصرفة والمسجلة بأكثر من مئة وسبعين ألف ريال ولكن كيف حدث ذلك ؟ ولماذا حدث ذلك ؟ ولا سيما أن الصراف الواحد تبلغ قيمته أكثر من مليون ريال وهو مجهز بأحدث الوسائل ولديه صندوق أسود أشبه بالصندوق الأسود الخاص بالطائرات ، وهنا يبدأ التحليل ويظهر الإبداع البشري وتبرز دقة التقنية الحديثة التي وصلنا إليها في عالم اليوم .
في ذلك اليوم تمت تغذية الصراف بالمال ؛ ويقوم عادة خمسة رجال بهذه العملية توكل لبعضهم عملية الحماية، والبقية يضعون تلك الأدراج المغلقة والمليئة مسبقا بالنقود والمعدة من البنك بإحكام . وبالعودة إلى الكاميرا العلوية في رأس الغرفة تبين أن الموظف الموكل إليه وضع تلك الصناديق في أدراجها أخطأ ، ووضع علبة العشرة ريالات في درج الخمسمائة ريال والعكس كذلك .
وهنا تتخذ إدارة الشركة قراراً فوريا بإيقاف هذا الموظف المسكين وتلزمه بتحمل تبعات خطئه .
ويستمر البحث عن الحدث وما تخفيه نفوس المترددين على الصراف ، أظهرت ذاكرة الجهاز أرقام البطاقات التى سحبت والمبالغ التى طلبوها وسجلوها في ذاكرة الجهاز ، واستطاع البنك أن يصل إلى عدد من مشتركيه عبر أرقام الحسابات وأرقام فروعهم ، ولكن هناك أرقام غريبة إنها أرقام بطاقات طلابية فكيف يتم الوصول إليها ، إنهم طلاب جامعيون ، والبنك يتعامل مع جامعتين عندها أرسل البنك أرقام البطاقات إلى الجامعتين ليتعرف على أسماء جميع من سحب في تلك الساعة . وبعملية حسابية بسيطة يتضح للشركة المبلغ الزائد والمسحوب من كل بطاقة ؛ كما أن الجهاز يظهر صورة جميع من قام بالسحب كذلك ؛ وعند النظر في العمليات التي تمت وتكرار حدوثها تظهر مفاجآت أخرى وهي تحمل الكثير من الدلالات النفسية التى تقيس مستوى الأخلاق ومستوى التفكير الذي انتاب أولئك الأشخاص في ذلك الموقف الحرج ، لقد انتاب بعضهم حالة من الفرح ،والبعض الآخر حالات من التردد ، كما برزت غريزة حب المال وكان لسان حال بعضهم يقول : انـهب ما استطعت فهي فرصة لن تتكرر . وإلى بعض الصور التى تصورها دراسة ماتم على ذاكرة الجهاز من عمليات :
الطالب الأول أخذ يتصل بمجموعة من الطلاب من أبناء قرابته ليحثهم على استغلال الفرصة لأن الجهاز مضروب فاقد للذاكرة كما كان يعتقد وتشابه الأسماء دل على ذلك .
وهناك بطاقة لطالبة كررت عملية السحب ثلاث مرات وعند الاتصال بها ظهر أنها بريئة من هذا التصرف ، لأن البطاقة كانت بحوزة والدها الذي برر تكراره للسحب لأكثر من مرة إنما كان بهدف الانتقام من البنك وتعويضا عن مشكلة سابقة كانت له مع صراف آخر!!.
وهناك من كان ذكيا حاذقا نـهما في جمع المال استوعب كيف يخطئ الصراف ليكرر عمليات السحب إلى أن يصل ماسحبه في الواقع الفعلي وليس كما هو مسجل في الجهاز إلى أكثر من أربعين ألف ريال .
وهناك من كان في صراع مع نفسه هل يعاود السحب مرة أخرى أو لأ ، ليعاود السحب ويطلب مبلغا آخر بعد نصف ساعة .
كان الضحية في البداية ذلك الموظف الذي أوقفته الشركة وطالبته بتحمل مسؤولية كامل المبالغ المـنصرفة ؛ وبعد أن اتضحت الحقائق ألزمت إدارة الجامعتين أولئك الطلاب من بنين وبنات بتسليم المبالغ الزائدة للبنك وهو ما تم بالفعل.
أما الذين أبلغوا البنك من الطلاب والطالبات فهم اثنان فقط ، وقد قام البنك بتكريمهم وفتح لهم حسابات مـميزة خاصة واحتـفت بهم إدارة الجامعة .
ويبقى السؤال الأهم في هذه القضية ، وهو إلى أي درجة من الالتزام والشعور بالرقابة الذاتية وصلت إليه أخلاقيات مجتمعنا ؟؟ وإذا كانت تقنية هذا العصر بلغت هذه الدقة في معرفة تفاصيل كل ما حدث فكيف بنا بقدرة خالق البشر الذي يقول لحواس الإنسان تحدثي فتتحدث ، ثم لنقف وقفة تأمل مع قوله سبحانه [ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا ،إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ] . والله المستعان
د.إسماعيل أحمد النزاري